طالما أثار اهتمام من يشاهد المسلسلات التركية المدبلجة شخصية ( مهند ) المميزة لكلا الجنسين حيث خلقت هذه الشخصية في عيون من أحبها أروع صور أحلام اليقظة حيث أصبح الشباب ممن تأثروا به يلبسون ما يلبس ويقصون شعرهم على أسلوبه و يقلدوا حركاته ، كما وأصبحت الفتيات يتمنون مهند أن يكون فتى الأحلام الذي يخطفهن على حصان أبيض إلى عالم من الحب والجمال فأصبحن يتشبهن بشخصيات الممثلات من نور و سمر وغيرها .
فلابد من أن يكون لكل جيل ولكل شعب ( مهند ) خاص بهم وبالعراق وبالشطرة تحديدا رأينا مهند العراقي الذي أصبح أكثر شهرة من غيره حيث تفتح له أبواب البيوت وتنتظره النساء والفتيات على أحر من الجمر لتجالسه وتتبادل الحديث معه ، ويحيط الأطفال به من كل جانب كأنه العيد أيامه ولياليه رغم بساطة ملبسه المتمثلة بالتراكسوت المعروف مع القبعة (الكاسكيتة) يشق الطريق حاملا معه أحلام الفتيات العذارى و مجددا الأمل في نفوس النسوة المتعبات .
وفي يوم من الأيام دق ( مهند ) بابي وفتح ولدي الباب ورجع لي مهرولا وكله سعادة وألق وهو ينادي : أجه مهند أجه مهند . وتفتحت أبواب جيراني لقادم ليس ككل الزائرين وظهرت النساء من خلف الأبواب يلفها الخجل ، ومنهن من لم يجد للشوق حلا فخرجت أليه . وذهبت لأرى من هذا القادم الذي استقبلوه بهذه الحفاوة وإذا بي أجد شابا يافعا في السابعة عشر من عمره يحمل بيديه أكياسا للملابس ( مهند بائع متجول ) صرخة مدوية بوجه الظلم و التعسف.
مهند شاب ضعيف البنية شديد السمرة أشقر الشعر بفعل التراب وأشعة الشمس يرتدي حذاءا بلاستيكية يتجاهلها الكلب بلعب الصباح وقد أخذ الطريق منها مأخذه ولم تكن لتحميه مما يدوس ، وأفترش بابي ببضاعته ذات الألوان الزاهية والموديلات البسيطة مخاطبا أياي : عمي الخاوليات ب3ألاف ونص والدشاديش بثمانية وهاي سيتات نوم حلوة علة ألفين وتراكات أطفال بأربعة ، وأولادي من حوله يأخذون مايعرض ويدخلوه إلى أمهم لتختار وحينها تكلمت مع الحلم الحقيقة الشخصية المهضومة ( مهند ) والتي طالما انتظرته النساء والفتيات بشوق قائلا : أي هنودي شني ما شني ؟ أجاب : والله ماشية عمي الحمد لله . وبصوته من النعومة الشئ الكثير كأني ظننته طفلا يتحدث ولم أكمل حديثي بعدما سألته وأجاب ببعض الكلمات( لم أكمل الدراسة ) ، (أشتري من الجملة) ، (بالقطعة ألي ربع ) مما توافد علينا من النساء والأطفال لتشتري من مهند أو يوصونه بجلب بعض الأمور من السوق. .
فدخلت و جلست في الأرجوحة مستقبلا وردتين زرعتهما في حديقتي الصغيرة وفكرت بحال مهند العراقي ومن يقابله في الدول الأخرى وقلت لماذا لا يكون حالك كحال الشباب وتعيش حياة كريمة وتلبس ما يلبس غيرك وتتمتع بأحلى أيامك وتضمن عيشك وتكمل الدراسة وتتخرج وتلتقي من تحب وتتزوج ففي عالم التطور والتقدم نرجع قرونا للوراء ولا يمكننا مسايرة المجتمعات من حولنا عربية كانت أو غربية ، فالشباب فرصة التغيير في المجتمع كما نعرف جميعا و انعدام الاهتمام بهذه الطبقة يؤدي بالتالي إلى انعدام فرص التغير المجتمعي والاقتصادي الذي يحتاجه العراق حاليا .
فعلى الحكومات أن تفهم حقيقة واحدة وواضحة أبين من الشمس وهي بأنهم مجموعة من الموظفين الذين يعملون برواتب يعطيها الشعب لهم مقابل تقديم خدمات وإدارة أمور وليس العكس ، حيث يتناوب المسؤولين بإظهار الحزن والعطف الشديدين على هذا الشعب المظلوم كأنهم يملكون أموال الشعب عن أب وجد و يكررون عملنا كذا وحققنا كذا وهم للحقيقة يعرفون ، انتبهوا جيدا فأن من أختاركم هو الشعب ومن يعطيكم رواتبكم هو الشعب فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وعاتبوها قبل أن تعاتبوا ولاتهملوا هذه الطبقة المهمة واسعوا من أجل تحقيق أمانيهم الضائعة في بلاد الأحلام والأمنيات عراقنا الجريح الذي أصبح من ظلم من حكم كالحسين (عليه السلام) جرحا على جرح وضربة على ضربة مقطع الأوصال .
وقمت من أرجوحتي متجها إلى مهند وسألته : شكد تحصل من هالشغلة ؟ أجابني صادقا : من كل قطعة ربع . فسألته : شكد تبيع يومية ؟ أجاب : مو سوة من 10-15 قطعة . أي أن دخله اليومي أقل من أربع دولارات بالعراقي 3750 دينار وهي لاتكفي كما تعلمون لشراء جل الشعر الذي يستخدمه (مهند التركي) وأشباهه وهنا لاأعني بالضرورة الممثل التركي بل أعني كل الشباب الذين من حولنا في بلدان الجوار ، وأرجع من جديد إلى مسؤولينا الأعزاء وأصرخ بأذانهم قائلا : بدلا من أن يدخل أبنائكم المدارس الخاصة ودورات التقوية بملايين مهند و غيره ندعوكم كأخوة و أبناء شعب مسلم لا يحب الجور أن تنظروا حال من عينكم موظفين لديه ، ياترى هل أديتم ما بذمتكم ؟ وها هو مهند حتى المدرسة تركها وأصبح يجوب الشوارع بحذائه البلاستيكية بحثا عن أربعة ألاف لاغيرها لعله كل يومين يعبئ كارت أبو الخمسة أن كان لديه موبايل ، أو ربما كيلو لحم كل ثلاثة أيام والطماطة والخضرة توزعها وزارة الزراعة بالتعاون مع التجارة عبر البطاقة التموينية .
لذا على الحكومة الموقرة أن تستفيد من التجارب السابقة وتعرف ما معنى العدالة وتعي حقيقة كونها مجموعة موظفين تعمل لدى مهند وغيره وتسعى لأجل توفير فرص عمل تحفظ كرامتهم ولو من خلال بناء الورش الفنية وتوفير المواد الأولية لسد حاجة السوق العراقية من السلع والأثاث وغيرها والتي تؤدي إلى أصقال مواهب الشباب وتوفر المدارس المتخصصة بالدراسة المسائية لتساعدهم بمواكبة المجتمعات المتقدمة ولكي يكونوا عونا لكم لا وبالا عليكم لان الشباب كما تعلمون هو من يصنع الحياة ويحقق الإصلاح .